الرسام علي بلاغة
الفنان الحرفي المبدع
يعد علي بلاغة من أبرز وأرقى ما أفرزته المدرسة الفنية التشكيلية التونسية منذ نشأتها في أوائل القرن السابق. ما هى الصلة بينه وبين الصناعات التقليدية ؟
الحرفيون يعدونه من اقرب المقريين إليهم إن لم يكن من ذويهم العارفين بأبدع ما أنتجته الأنامل التونسية على مدى قرون.
علي بلاغة هو فعلا فنان حرفي مبدع، هو فنان يحب الحرف التقليدية بل يعشقها إلى حد الولع كما عشق ذلك الصندوق الخشبي القيرواني فتأثر به في أعماله التشكيلية الخشبية كما تأثر بأصناف أخرى من المصنوعات كالنسيج والنحاس والخزف- واهم من ذلك كله فقد كان يلجا دوما إلى الاقتباس في تصميماته الزخرفية من شتى الأشكال التقليدية النباتية والهندسية والحيوانية وأشكال الأواني والأثاث وثياب النساء والرجال النابعة من عمق الموروث الفنى التونسى الأصيل.
بل إن إبداعاته الفنية التي جاد بها خياله على مدى اكثر من نصف قرن ما انفكت تنبض بحياة الماضي التليد وتخفق بقلب المجتمع التقليدي الذي عرفه في صغر سنه وتختلج بروح وجدانه ورقة حواسه وسعة خياله. كيف لا وهو ابن مدينة تونس العتيقة البار الذي نشأ وترعرع بين أزقتها وفي كنف بيت أجداده التقليدي الدافئ ذي الألوان الزاهية والفناء العابق بروائح الياسمين والفل والورد – كيف لا وهو ابن أسرة حرفية تعاطت الصناعات التقليدية أبا عن جد، وهو الذي درس بالكتاب أين حفظ القرآن، ثم بالمدرسة الابتدائية الصادقية أين تحصل مثل الكثير من أبناء جيله في تلك الفترة الاستعمارية على وعي شديد بأصالته الحضارية ورفعة منزلة تراثه العربي الإسلامي.
إن هذا الفنان الأصيل المنشأ، المنفتح على العالم، المخضرم الثقافة، الثري الإنتاج، هو من ابرز أعلام الصناعات التقليدية التي ترك فيها بصمات فنية لا تمحى.
الامين حبيب البصلي
قناديل القيروان
ولد السيد الحبيب البصلى بالقيروان فى 26 ديسمبر 1913. ورث لقب أمين حرفة القناديل عن والده السيد محمود البصلي الذي خلف الآمين السيد علي الزريبي
مارس السيد الحبيب البصلي عدة مهن قبل أن يتفرغ لحرفة صناعة القناديل. استقر بتونس في 31 شارع الحرية وتخصص في صناعة قناديل القيروان من معدن النحاس حتى أصبحت بداية من السبعينات حرفة قائمة بذاتها تدخل فيها اختصاصات عدة مثل صناعة البلور وصناعة النحاس الأصفر وموهبة الرسم على البلور.
والآن يمكن أن نشاهد قناديل الأمين البصلي في اغلب الفنادق التونسية تجلب اليها الأنظار برونقها جماليتها وحرفيتها المميزة مذكرة بألف ليلة وليلة.
وقد مرر الآمين البصلي المشعل قبل وفاته سنة 1991 إلى احد أحفاده الذي يواصل هذه الحرفة في القرية الحرفية بالدندان.
الأمين محمد العباسي
المعلم في صناعة الشاشية
مؤسسة محمد العباسى التى تأسست سنة 1945 هي من أقدم محلات صناعة الشاشية كائنة قرب جامع حمودة باشا بالمدينة العتيقة لتونس العاصمة.
تلقى المرحوم محمد العباسي هذه المهنة الأندلسية الأصل من والده المرحوم العربي العباسي المعلم في صناعة الشاشية وانتخب أمينا لمجلس الحرفة سنة 1990.
ومنذ سنة 2000 تتولى كريمته السيدة عائدة العباسى إدارة المؤسسة.
تشغل المؤسسة بصفة مباشرة أو غير مباشرة مئات من الحرفيين في ولايات تونس واريانة وبنزرت، وتصدر 70 % من إنتاجها المصنوع من الصوف الخالص وذي الجودة العالية إلى بلدان إفريقيا والى القطر الليبي الشقيق, أما باقي الإنتاج فهو موجه إلى السوق المحلية.
وقد حصلت مؤسسة محمد العباسي على العديد من الجوائز. ان ما يميز هذه المؤسسة العريقة هو الحرص على الجودة واحترام الخصائص التقليدية للحرفة التي هي إحدى مميزات الهوية التونسية.
النساج حميدة وحادة
منسوجات من وحي المدينة
أحب المولعون بالمنسوجات القفصية المعلقات الحائطية التي ابدعها النساج حميدة وحادة أصيل مدينة قفصة والتى استلهم رسوماتها من الكليم القفصي والمرقوم البوسعيدي.
فجاء بها كأروع ما يكون لكي تذكرنا بعادات الجهة كعرس قفصة والسوق الشعبي وكذلك بالأشكال الهندسية ذات الطابع المحلي المتميز كالقافلة و البرانس والحوت إلى أن انتقل بها لعالم التشخيص حيث رسم اشهر العلماء كابن سيناء و باستور وغيرهما، وكان ولعه بالفن منذ صغر سنه كما أن الرياضة شكلت إحدى هواياته المحبذة التي حملته على الانخراط في فريق الملعب القفصي.
وبما ان الصناعات التقليدية كانت من ابرز ما تمتاز به الجهة التي ولد فيها ونما وترعرع في ربوعها، فقد اهتم بها أيما اهتمام مسخرا مخيلته الفنية الخصبة للاستنباط والتجديد والإبداع. فالتحق وهو لا يزال شابا بديوان الفنون التونسية بتاريخ 1 ديسمبر 1953 |لى أن ارتقى في سنة 1965 أي اثر الاستقلال إلى مهمة المندوب الجهوي للصناعات التقليدية بقفصة فقام بها على أحسن ما يرام طيلة أكثر من عشرين سنة قبل أن يحال على التقاعد.
إلا ان هذه الإحالة لم تمنعه من متابعة نشاطاته الإبداعية والتعليمية والتأطيرية كخبير في الاختصاص فتكونت على يديه أجيال من النساجين الذين اخذوا عنه المشعل إلى أن وافاه الآجل المحتوم يوم 6 فيفري 2001 مخلفا رصيدا معرفيا هائلا وتراثا حيا يستحق أن نحافظ عليه وان تتباهى به وان نخلد ذكراه من خلال المنشورات والمعارض والمتاحف.